بسم الله الرحمن الرحيم
نحو ثقافة طبية
التداوي بالنباتات بين الحقيقة والاستغلال
The false and true facts about herbalism
الدكتور الصيدلاني صبحي شحاده العيد
توجد جاذبية للأعشاب الطبية منذ الأزل وحتى الآن ، فهي خضراء نضرة تسر العين وتبهج النفس ، جوهر الطبيعة نفسها وقد تبدو أكثر أمانا ولطفا من الحبوب المصنعة ،لأن تعبير(أخذ الأعشاب للشفاء)أطرب سماعا من أخذ الدواء .
إن الأمر ليس بهذه البساطة والسهولة، فعلى سبيل المثال :يعتبر النيكوتين والهيروين والستركنين وهي مواد نباتية 100% ولكنها يمكن ان تكون سامة أو قاتله حسب الجرعة ،لخص الفيلسوف القديم باراسيلوس الأمر بأفضل تعبير(كل شئ سم لا يوجد شئ بدون سم فقط الجرعة هي التي تجعل الشيء سما ).
إن معظم الوصفات العشبية لا تعطي أي نتائج فورية قد يكون ذلك مربكا للعديد من المرضى الذين ينشدون حلولا بسيطة وسريعة لمشاكلهم فكثيرا ما تظهر النتائج العلاجية للنباتات فقط بعد أسابيع أو اشهر من العلاج المتواصل .
على كل حال بدءا من الثقافات الهندية واليونانية والمصرية والصينية وانتهاء بالعربية والإسلامية فان تلك الحضارات تعتبر الأعشاب الشائعة بمنزلة مشروبات صحية مفيدة للجسم ، ومع ذلك فمازال الاختلاف قائما حول حقيقة امتلاك هذه الأعشاب لخصائص علاجية أو وقائية وخصوصا ضد الأمراض المزمنة مثل أمراض السرطان والقلب والسكري وضغط الدم ، ومع تقدم العلم والأبحاث والمختبرات وتكنولوجيا الدواء زاد الشك حول قدرة هذه الأعشاب على الشفاء أو الوقاية وخصوصا في حالات الأمراض المزمنة .
و بالرغم مما سبق فإن التداوي بالأعشاب في العديد من الدول العربية يشهد انتعاشا وتدهورا ملحوظا خصوصا مع المرضى ذوي الأمراض المزمنة حيث وجد ممارسو هذا النوع من العلاج لهذه الفئة الصيد السهل الثمين.
فهناك من يداوي البواسير والبروستات نهائيا خلال 24 ساعة وعندما تم الاتصال معه تليفونيا وجد أنه صاحب صالون حلاقةوهذا فيض من غيض حول الإعلانات عن الشفاء السريع والسهل لامراض عجز الطب التقليدي عن شفائها مثل البهاق والسكري والبروستاتة وضغط الدم بل وأنواع السرطانات أيضا .
إن النباتات الشافية هذه قد تساعد على الشفاء خصوصا في الحالات البسيطة والتي لا ولن تغني عن الأدوية الكيماوية بل يمكن أن تفيد في بعض الأمراض البسيطة مثل الزكام والمغص والامساك وهناك عدد من الأعشاب معترف بها عالميا وهي لا تتجاوز أصابع اليد على أنها أعشاب آمنة تفيد بعض الأمراض البسيطة المذكورة أعلاه ،وهي غالبا ما تتواجد في البراري والسهول حتى في حديقة المنزل مثل النعناع والبابونج والميرمية والزعتر والمليسة .
وهذا لا يعني أن تعطى دون إرشادات وعلم ، فعلى سبيل المثال
إذا أعطى البابونج للمغص وبجرعات كبيرة وشراب مكثف فانه قد يؤدي إلى الأرق والصداع ، والمعروف عن البابونج انه عشبه طبية ملطفة من الداخل والخارج ، وللعلم يجب أن يصنع شاي البابونج من الأعشاب الطازجة أو بشكل أكياس ويجب ان تشبه رائحته رائحة التفاح أما إذا كانت رائحته تشبه رائحة الشعير فهو عتيق .
أما عشبه رجل الحمام والتي تعتبر من أكثر النباتات مبيعا وهي توصف للتخلص من بعض الترسبات في المجاري البولية فهي قد تزيد حالة مريض الأزمة الصدرية سوءا أو قد تعجل في هجمة المرض حيث أنها تؤدي إلى تقلص القصبات الهوائية والمجاري التنفسية ،كذلك الحال مع نبات المليسة المشهور محليا فهو قد يؤذي مريض الغدة الدرقية ويزيد حالته سوءا .
ولا بد من ذكر الشراب الشعبي ( عرق السوس ) الذي يباع على قارعة الطريق فهو يعمل على حبس السوائل والأملاح مما يزيد حالة مريض الضغط الدموي سوءا خصوصا إذا اخذ على معدة فارغة وبكميات كبيرة تزيد على كوب كبير في المرة الواحدة .
وكذلك الحال مع نبات الجنسنغ المشهور عالميا بأنه مقوي عام ومرجع للشباب فلا يجوز استعماله اكثر من شهرين متواصلين في السنه وإلا فانه يزيد من إفراز الأدرينالين وأشباهه في الجسم مما قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والأرق وقد يودي أيضا إلى ارتفاع هرمون الاستروجين مما قد ينتج عن ذلك نزيف مهبلي عند النساء أو حالة gynecomastia عند الرجال.
انه لمن حسن الحظ أن شركات الأدوية وبما لديها من أبحاث ومختبرات قد بدأت في السنوات الأخيرة بالتوجه نحو استغلال واستخلاص المواد الفعالة طبيا في بعض النباتات الطبية وتصنيعها بأشكال صيدلانية وجرعات معروفة ومدروسة للمداواة مع ذكر الجرعة والتداخلات والتحذيرات الدوائية مثال ذلك حبوب وكبسولات الثوم والجنسنغ والجنكوبايلوبا والزنجبيل وغيرها .
إن المشكلة في بيع وتحضير النباتات الطبية للمستهلك لا تخضع لمعايير مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية ولمعاير غيرها من المؤسسات ذات الصلة ، كما هو في حالة الدواء ، تستطيع أن تحضر وتدعي المفعول الطبي لمستحضر صيدلاني عشبي بدون المرور بالدراسة السريرية على الحيوانات أولاوبني البشر ثانيا وهي الإجراءات المطلوبة قبل إقرار بيع الدواء الكيماوي .
تسويق الأعشاب الطبية
تسوق الأعشاب الطبية عادة على أساس أثارها الطبية المدعاة والمتوارثة بل والمتناقلة من جيل إلى جيل ولكنها لا تنظم مثل الأدوية ،
والمشكلة الثانية أن من يبيعك العشب الطبي ( العطار أو غيره ) يملك بعض المعلومات أو الكثير منها عن هذا المستحضر ولكنه يفتقر إلى المعلومات الطبية الخاصة بالمرض والتشخيص .
أما الطبيب المداوي فهو يملك العلم والمعرفة حول المرض وتشخيصه ولكنه لا يملك المعرفة الكافية حول النباتات الطبية ليصفها جنبا إلى جنب مع الأدوية الكيماوية وقد لا يكون هذا ذنبه حيث أن المدارس الطبية العالمية لا تطلب من الطبيب مثل هذه المعرفة قبل التخرج ، ما عدا المدارس الألمانية ، التي بدأت منذ سنين تدريس المواد المتعلقة بالنباتات الطبية والشافية كجزء من المنهاج الدراسي للطبيب قبل التخرج .
على الرغم من توفر العديد من خيارات الطب الحديث وعلى الرغم من أن فوائد الأعشاب ومضارها بدأت تتأكد في بعض الدراسات السريرية وبدأ العلماء باكتشاف العناصر المفتاح في الأعشاب ومع كل هذا وذاك فإن الشائعات والخرافات حول النباتات الطبية واستعمالاتها لا زالت تتناقل من جيل إلى جيل ومازال استعمال الأعشاب في نمو زائد جنبا إلى جنب مع الأدوية ذات الأساس الصيدلاني .
الخرافات والشائعات والمعلومات المتوارثة
الخرافة رقم1:
لا يمكن لأعشاب أن تضر فهي فقط تفيد :
علماً أن أكثر المواد سمية على الأرض تصنع من النباتات
مثل الستركنين والكوكائين والكافيين والأسبرين والكولشيسين والأيفيدرين(نبتة الكوكا ونبات الافيدرا الشاي اللحلاح الصفصاف) إن أكثر الآثار الجانبية للأعشاب السامة غامضة جدا وتشبه الآثار التي تحدثها عادة الأدوية أو الرشح أو الالتهابات الفيروسية كما ويمكن أن يصيبك تناول الأعشاب بالحساسية والتشنجات والإسهال وجفاف الفم وآلام الجهاز الهضمي والصداع والغثيان .
الخرافة رقم2:
الشائعات كثيرة من أن الأدوية الكيمائية لها خطر متوسط إلى كبير وكامن لإحداث آثار جانبية أو أضرار.
وهم يتناقلون هذه الاعتقادات كما ذكرت من جيل إلى جيل ويجدون بها مادة تثير الاهتمام في جلساتهم وأحاديثهم وخصوصا عند زيارة المرضى الأقارب أو الجيران لا بل وقد ينصحون المريض عن التوقف والتخلص من أدويته الكيماوية واللجوء إلى العطار الفلاني أو وصف المريض بعض الأدوية العشبية لان فلان استعملها وتحسنت حالته بسرعة، والكثير منهم لا يريد أن يبتلع دواء الضغط أو السكري لاعتقادهم انهم لن يستطيعوا الاستغناء عن مثل هذه الأدوية في المستقبل