مستر جوزيه.. لا ترحل

لأنني أشعر بأنه سيعود إلي بيته القلعة الحمراء كما فعل منذ سنوات.. اطالبه بعدم الرحيل رغم أن الرجل مقبل علي مرحلة جديدة في عالم التدريب بالتألق المنتظر مع المنتخب القومي لبلد افريقي.. أحبه كما أحب مصر النيل والحضارة والمجتمعية المستقرة.. اعني انجولا.. وادرك انه أمام تحد ومهمة عمل مختلفة.. انجاز عام متوقع يضاف إلي سجله الشخصي.. تحقيق 18 بطولة محلية وقارية مع فريق كرة القدم بالنادي الأهلي وهو الفريق الذي وضع هيكلة الأساس عندما قدم في المرة الأولي واستثمره عند العودة لتخرج الأرقام القياسية في مرات اللعب بالفوز بدون هزيمة وانهاء بطولة الدوري الممتاز "بطولة الأهلي المفضلة" قبل نهايتها بأسابيع عديدة.. كان الأهلي يقف علي قمة المسابقة وبفارق قياسي عن الوصيف صاحب المركز الثاني ووصل به إلي بطولة العالم للأندية في اليابان.. وانعكست آمال الجماهير في دخول دائرة جديدة بعد أن أعادت صياغة المراكز في شمال افريقيا وانهت عقدة التفوق لديهم وأصبحنا قادرين علي الفوز علي ملاعبهم والحضور بكأس البطولة إلي أرض الوطن.
جوزيه عشرة عمر للجيل الذهبي لكرة القدم.. مثلما كان هيديكوتي لفريق التلامذة الذي يدير أعضاؤه حسن حمدي. محمود الخطيب. مجدي عبدالغني. حسام البدري وغيرهم أمور نادي القرن مسئولون عن ادارة مستقرة.. البطولات وتحقيقها هو هدفهم الدائم وان تراخي البعض لفترة ما فهي قصيرة تنتفض خلالها روح الفانلة الحمراء وتتصدي بنزاهة وشجاعة وشرف للفرق المنافسة التي تلعب بقوة وعزم غير طبيعي أمام الأهلي لتلفت انظار مسئوليه إليهم ولا يهمها بعد ذلك ان تهزم من أي فريق بالاضافة إلي ما يواجهه فريق الأهلي من جماهير تعيش علي الخيال وتري ان فريقها الأحق بالفوز والشهرة التي تبدأ بالنيل من الأهلي وجماهيره وكذلك ما يعانيه من بعض الحكام من تجاوزات دون أن يشكو أو يطلب حكاماً أجانب ونعتقد ان الحكم مهما كان لا يستطيع منع هدف صحيح من التسجيل داخل الشباك.. أما حصار اللاعبين وعدم احتساب ضربات الجزاء أو التلاعب في الوقت الضائع.. فهذا كله لا يفت في عضد الفريق ويحرص الجهاز الفني للأهلي دوما علي تذكيرهم بالمباديء الرياضية تواضع عند النصر وابتسم عند الهزيمة بمصافحة الجهاز المنافس وتهنئته من القلب علي الفوز دون شكوي أو احتجاج رغم انهم يعلمون ماذا سيقابلهم غالبا بعد الخروج من أرض الملعب مثلما حدث أمام الإسماعيلي في يوم السهام والصواريخ النارية والطوب عندما أعلن جوزيه بأنه لن يذهب إلي الإسماعيلية مرة أخري وقد كان بعد إعلان تعاقده مع المنتخب الأنجولي وتحمل مسئولية بروزه في الكأس الأفريقية القادمة وهو قرار حضاري في تقديري بعد دراسة علمية مستفيضة أساسها اجادة لاعبي انجولا للغة البرتغالية.. ولعب معظم أعضاء المنتخب في البرتغال والأهلي الذي يدربه جوزيه انه عاشق لمهنته.. لا يحسب أموره بالنقود القادمة فقط ولكنه من الناحية النظرية قد شبع من بطولات متنوعة لأندية والكل يشهد له حتي الذين ينتقدونه ولا يحبونه يشهد بقدرته السحرية علي التغيير وقلب نتيجة المباراة ودفع اللاعبين للفوز خارج وداخل الأرض واستثمار جميع الظروف لتكون ايجابية وهكذا نشهد له من تغييرات الملعب واصدار أوامره الحازمة للنجوم بالبقاء بجوار دكة البدلاء "وهو قرار لا يستطيع الكثير من المدربين الشجعان أصحاب الأخلاق الرفيعة" اتخاذه أو مجرد التهديد به ولدينا عشرات الأمثلة من فرق مصرية أخري اشعل النجوم حربا شخصية وفرضوا ارادتهم بالنسبة لمن يلعب بجوارهم أو رفض الجلوس علي دكة البدلاء.
نعتقد ان جوزيه كفنان مبدع علي اعتاب تعاقده الجديد مثل التلميذ ليلة الامتحان يذاكر.. ويذاكر ليحصل علي دبلومة كأس المنتخب.. يحدد من خبراته وقدراته وبعدها ينظر لمحطة أخري قادمة.. ارجح أن تكون الأهلي ناديه المفضل مرة أخري ولكن بعد أن يرد علي المشككين في قدراته كمدرب منتخب.. عندما وضعوا العراقيل حتي لا يختار مدربا للبرتغال ذاتها.. ولا يستطيع أحد أن يتهم جوزيه بالفشل في مهمته الثانية والطويلة بالنادي الأهلي بدليل الاعلان عقب الخروج من كأس اليابان عن تجديد عقد التدريب لعامين واطمأن جمهور الأهلي بأن الصدمة قد تأجلت ولكن كأي مدرب ناجح فالعروض تتوالي عليه مثلما يحدث مع النجوم الموهوبين وتأكد من مواقع الفيفا والاتحادات القارية عن تلقي مانويل جوزيه لعروض خليجية وأوربية ولكن الرجل عندما جلس مع نفسه.. وجد انه حقق تقريبا كل الاستفادة من فكره التدريبي مع الأندية وسعد باستثمار أفكاره من قبل بعض المدربين الوطنيين وتقديرهم له مثلما اعلن الكابتن طارق العشري المدير الفني لحرس الحدود واستكمل هيكل الجهاز الفني واختصاصاته وطلب أن يكون هناك مدرب للأحمال وطبيب نفسي عند الضرورة وما يبتكره جوزيه ينتقل اتوماتيكيا إلي الأندية الأخري وفي كل الأحوال لم نسمع عن خلافات مالية مع ادارة الأهلي وفي نفس الوقت تنامت علاقات جوزيه الاجتماعية
وسمح بخجل بالتعرف بتبرعاته للمؤسسات الاجتماعية ومنافذ الخير مثل مستشفي سرطان الأطفال وربما وجد ان خروج الأهلي من التصفيات الافريقية وبعد الاتهامات التي أصبحت اسطر متداولة في الصحافة واحاديث الفضائيات عن لاعبي المعركة الذين طلبهم ولم يمنحهم فرصة اللعب رغم انه فعل ذلك مع كثيرين مثل سيد معوض وهاني العجيزي وياسر محمدي ودروجبا وكان صريحا تاما في مواجهة أزمة رامي عادل ورأي في احتجاجه مساسا بالجهاز الفني.. لذلك طلب ان يرحل لناد آخر مؤكدا انه لن يلعب للأهلي بعد الآن وكان جوزيه صاحب فكرة اعارة أبناء الأهلي لأندية أخري حتي أن ينفرط عقدهم.
المتأمل لجدول هدافي الدوري يجدهم من أبناء الأهلي المعارين أو المباعين لأندية أخري وعندما اثيرت قضية الناشئين "كحق أريد به باطل" كان جوزيه أول من استعان بهم في مباريات الدوري الموسم الماضي بعد أن ضمن الأهلي بطولته المفضلة ولعب بهم بحساب هذا الموسم بعد اختلاط الأحداث وخسارة النقاط وتقدم الإسماعيلي المارثون مع الأهلي حتي نهاية المسابقة.
لقد جلس الرجل وحسبها بالورقة والقلم ليعلن مجلس إدارة الأهلي وفي وقت مناسب تماما انه لن يستطيع الاستمرار من أجل مهمة انجولا.. وحرص الرجل علي الوفاء بالتزاماته مع الفريق سواء بالنسبة لما تبقي من مباريات الدوري أو كأس الكونفيدرالية ولم يشأ أن يفرض اسما لمدرب علي الساحة العالمية وهو يعلم ان الأهلي لن يتعامل مع مدربي المقاهي الأوروبية كما أعطي شهادة حق بالنسبة للجهاز الفني العامل معه والذي نريد أن نتحدث عنه الآن.. هو ما لمسه الجميع من حب الجماهير لجوزيه أثناء مباراة حرس الحدود بعد أن أعلن الخلع من الأهلي كما حرصت للأسف بعض المجلات علي معالجة الحدث بشماتة لامجال لها.. وشاهدنا لاعبي الأهلي القدامي الذي اتهم بأنه "طفشهم" شاهدناهم علي شاشات التليفزيون يذهبون إليه ويحتضونه والدموع تتساقط من اعينهم ورغم ما نشر من أخبار عن غضب الخواجة علي شادي "كابتن الفريق" وانه اصدر فرماناً بألا يلعب.. اتضح ان السبب هو اصابته.. فإن شادي يكشف بصراحة والرجل يحزم حقائبه للرحيل وقد نأي بنفسه عن المشاركة في أي مذبحة لجيل البطولات الحالي تحت مسمي السن الكبير يقول شادي جوزيه علامة فارقة في تاريخ الأهلي.. اضاف للنادي واضاف له النادي.. رحيله سيكون له تأثير بعد العشرة التي جمعت بينه وبين من ارتدي الفانلة الحمراء وعمل من أجلها. كانت علاقته جيدة بالجميع وكان قريبا جدا منهم بل وكان يتدخل في حل أزمات شخصية لمعظم اللاعبين عن طريق النصح والارشاد وكان له بخبرته الكبيرة بصمة علي كل لاعب ولديه حلول لكل الأزمات.. علاقاته مع اللاعبين كانت علي خير ما يرام حتي الذين لم يشاركوا في المباريات وبصراحة كانوا يغضبون وهذا طبيعي لأي لاعب لم يشارك لكن أحد منهم لم يكرهه مطلقا.
لكن شادي يؤكد ان توقيت الرحيل لا يعني اللاعبين.. المطلوب منهم التركيز في المباريات المهمة القادمة ولكنه حصل بصورة حضارية من جانب جوزيه أو لجنة الكرة مما يؤكد علي عمق العلاقة بين الجانبين وبصرف النظر عن الأسباب الخاصة التي ساعدت جوزيه علي اتخاذ القرار فإنه لم يكن مفاجئا وأعلنه من خلال التليفزيون ولعل من بين هذه الأسباب الطبع الخاص لجوزيه وانفلاته علي أرض الملعب والإعلان بصراحة عن رأيه في صافرة أحد الحكام أو استخدام حركة يد قد تكون مقبولة في البرتغال وأوروبا ولكنها لا تصلح هنا وتلك العقوبات المتوالية من ايقافات وغرامات .. ظن جوزيه انهم يترصدون بها بالاضافة إلي أن المدير الفني الجديد ينتظره مهمة قاسية جداً هي غربلة الجيل الحالي من اللاعبين فوق السن وتجديد الفريق بدون الاصطدام بقرار الجبلاية.. تحديد عدد اللاعبين بخمسة وعشرين لاعبا فقط والخطوة التالية لانتظار نتيجة هذا الإحلال والتجديد في الوقت الذي اضطرت فيه فرق أخري ولظروف مختلفة القيام بهذه العملية مبكرا كما ان هناك الهواجس المحيطة بالمنتخب الوطني في تصفيات كأس العالم والذي اعتمد في عهد جوزيه علي هيكل أساسي من لاعبي الأهلي وكذلك مشكلة الارهاق والتحام المباريات والاصابات لكن اذكر جوزيه بماء النيل حيث يعود له من شرب منه مرة فما بالنا الذي عاش علي نبعه ومياهه المقدسة عدة سنوات.. مستر جوزيه ارجوك لا ترحل.. وإذا كان لابد فنحن ننتظر عودتك بعد أمم افريقيا 2010 بإذن الله.